الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة "المجنون" لتوفيق الجبالي: بورتريه حر، حي، منفلت لمجنون جبران خليل جبران

نشر في  14 نوفمبر 2016  (16:10)

بمناسبة الذكرى 30 لإفتتاح مسرح التياترو، قدم المسرحي توفيق الجبالي مسرحية "المجنون" في اقتباس حر لـكتاب "المجنون" لجبران خليل جبران متسائلا: "لماذا نعيد تقديم هذا العمل بعد 10 سنوات عن انتاجه؟ لأننا بحاجة الى صوت يدعو لنا بالانسانية... يدعو لنا بالرحمة... الى صوت يطغى على أصوات التسلط والاقصاء والجبروت... صوت نبوي... صوت روحاني".

من قاع خابية نسيها الزمان، يستمد الجبالي نصوصا مُعتقة من "المجنون" الذي أصدره جبران سنة 1918 فيسلط عليها أقباسا من النور المسرحي كاشفا شيئا من حكمة جبران ومسايرا خطى من قال في نص "كيف صرت مجنونا؟" إنّه وجد بجنونه "الحرية والنجاة معا: حرية الانفراد والنجاة من أن يدرك الناس كياني، لأنّ الذين يدركون كياننا إنما يستعبدون بعض ما فينا".

يلج الجبالي الى نصوص جبران من باب "روح الدعابة" ليروي نظرة الكاتب اللبناني (1883-1931) للحياة، نظرة حكيمة، زاهدة، متواضعة، متحررة من المواضيع الاجتماعية وذاهبة عكس تيار مياه القناعات الجامدة والنبوءات الكاذبة بل لنقل معانقة للحياة في بهجتها البسيطة.

من هذه البهجة الخفيفة المتطايرة، ينطلق الجبالي. كيلٌ من الخفة تجسده ثلاث صبيّات غانيات يُطالعن مقتبسات من نصوص جبران قبل أن يتعالى صوت من اسطوانة مشروخة مرددا عبارة من نص "الملك الحكيم" الذي تهكم فيه جبران على الملك ووزيره ومفادها أن "الملك ووزيره ثابا الى رشدهما"، فيحطم هذا الأسلوب الصوتي قدسية النص ويحرره من كل محاولات التصنيم. 

وعلى روح الدعابة، يضفي الجبالي كيل أو كيلين من "الهشاشة" المستحبة التي ينادي بها جبران، ويجسدها ركحيا بأجساد هائمة تظهر من وراء جدران متنقلة. رقص واهتزاز وتموج وحيرة على ضفاف المعنى. أجساد تنشد الانعتاق، وأطياف حاضرة لكنها غير مكتملة، وأخرى غائبة تدفع شمعات مشتعلة في العتمة باحثة عن سكينة ما بعيدا عن ضوضاء الكون وعن حكمه الزائفة.

والى جانب هذين العنصرين، يستحضر الجبالي بعدا حسيّا يعبث فيه صدى الرياح بالحضور تماما كما تعبث رياح "بشري" مسقط رأس جبران بكلماته، ويرتفع صوت الجبالي قائلا:

"كتبت في الجزر سطرا على الرمل
أودعته كل روحي مع العقل
وعدت في المدّ أقرأ وأستجلي
فلم أجد في الشواطئ سوى جهلي"

 ثم يردد صوت الجبالي البيت الأخير "فلم أجد في الشواطئ سوى جهلي" مرارا ليقول كم نحن "صغار" مهما فعلنا أمام عظمة الكون.

ومع هذه العناصر المتداخلة، يتوقف الجبالي عند جانب آخر لدى جبران، وهو الرسوم الحالمة التي صور فيها الكاتب بألوانه حلم الجسد المتحرر والتائه في آن واحد (عدد هام من هذه الرسوم موجود بمتحف جبران ببشري شمال لبنان)، فيعرضها على الركح حتى تكتمل صورة جبران الحكيم والمجنون والفنان خاصة. 

بورتريه خاص لجبران خليل جبران، ذلك الذي رسمه الجبالي في "المجنون"، بورتريه حر، حي، منفلت لمن قال: "يا صاحبي، انك رجل فاضل متيقظ حكيم، بل انك رجل كامل... ولكنني مجنون منجذب عن العالم الذي تقطنه انت الى عالم غريب بعيد، وانني أستر عنك جنوني لأنني أود أن أكون مجنونا وحدي. أنت لست بصاحبي، يا صاح! ولكن كيف السبيل لإقناعك فتفقه وتفهم؟"

-تتواصل عروض "المجنون" بفضاء التياترو أيام 16 و17 نوفمبر و1 و2 و3 ديسمبر.

شيراز بن مراد

تصوير كريم العامري